غزوة تبوك … تاريخ واسباب واهم احداث الغزوة
في عام 9 هـ، وقعت واحدة من أبرز المعارك في التاريخ الإسلامي، وهي غزوة تبوك، والتي كانت بمثابة اختبار كبير لقوة وشجاعة المسلمين تحت قيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في وقت شهدت فيه الجزيرة العربية حالة من التوتر والتحديات العسكرية.
حيث اجتمع المسلمون من مختلف الأقاليم لرد العدوان المتوقع من الروم البيزنطيين، الذين كانوا يعدون العدة لغزو المناطق الإسلامية، وهذا ما نعرضه بالتفصيل عبر السطور التالية من هذا التقرير.
تاريخ غزوة تبوك وأسبابها
أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد ضد الروم، وقد استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر. جاء في القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظةً} [التوبة: 123].
اختار النبي صلى الله عليه وسلم الروم لأنهم كانوا الأقرب، وكانوا أولى الناس بدعوتهم إلى الإسلام.
وقد تزامن هذا الأمر مع أخبار عن عزم أهل الشام غزو المدينة المنورة، مما دفع النبي صلى الله عليه وسلم للاستعداد المبكر لمواجهة هذا التهديد.
كانت غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة، في شهر رجب، وتعد آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم. فقد أشار كعب بن مالك رضي الله عنه إلى أن هذه الغزوة كانت آخر غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم.
مكان غزوة تبوك وأحداثها
تبوك هو موقع تاريخي يقع في نصف الطريق بين المدينة المنورة ودمشق، وقد ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان.
تقع تبوك بين جبلين، جبل حسمي غربها وجبل شروري شرقها، وبينها وبين المدينة المنورة حوالي اثنتي عشرة مرحلة. وقد كانت تبوك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم معروفة كحصن يحتوي على عين ماء ونخل.
ولهذا سميت الغزوة بتبوك لأنها وقعت عند بئر تبوك في فصل الصيف في شدة الحر.
ما حدث قبل الخروج إلى غزوة تبوك
عندما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عن غزوة تبوك، استجاب المؤمنون لهذا النفير، بينما ظل المنافقون وأهل الأعذار في المدينة. كانت الغزوة في وقت شديد الحرارة وكان التنقل صعبًا، مما كشف عن معدن المؤمنين الصادقين وفضح المنافقين.
ساهم الصحابة في تجهيز الجيش بأموالهم، حيث قدم عثمان بن عفان رضي الله عنه ألف دينار، في موقف يعكس الإيثار والتفاني. أما الفقراء، فقد قدموا ما تيسر لهم رغم قلة ما لديهم. وواجه المسلمون أيضًا سخرية من المنافقين الذين حاولوا تقليل شأنهم. لكن الله تعالى فضحهم في كتابه الكريم وأوضح أن نفاقهم لن يُقبل.
وجاء فضحهم في سورة التوبة قوله تعالى”الَّذينَ يَلمِزونَ المُطَّوِّعينَ مِنَ المُؤمِنينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذينَ لا يَجِدونَ إِلّا جُهدَهُم فَيَسخَرونَ مِنهُم سَخِرَ اللَّـهُ مِنهُم وَلَهُم عَذابٌ أَليمٌ”.
المنافقون تذرعوا بأعذار واهية للتهرب من الجهاد، وهاجموا المؤمنين الذين تصدقوا بمالهم. كما انتقد بعضهم صعوبة الظروف، فقال الله تعالى: {قالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون} [التوبة: 81].
ما حدث في الطريق إلى غزوة تبوك
أثناء مسير جيش المسلمين إلى تبوك، عانى الصحابة من الجوع الشديد بسبب نفاد زادهم. كانوا قد تجهزوا للغزو في وقت عسرة، مما أدى إلى نقص الغذاء. مع تزايد الجوع، استأذن الصحابة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في نحر الإبل التي كانت تحملهم ليأكلوا منها. كانت الإبل مصدر النقل والركوب، ولكن الصحابة كانوا في حالة من الضرورة القصوى.
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اقترح على النبي أن يحتفظ بالإبل ويطلب من المسلمين أن يجمعوا زادهم ويدعوا للبركة. استجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك، وبارك الله -تعالى- لهم في زادهم. ببركة دعاء النبي، ملأ الصحابة أوعيتهم بالطعام حتى شبعوا، وفضلت كمية من الطعام بعد أن كانوا في حالة شديدة من الجوع.
كما واجه الجيش عطشاً شديداً، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربّه فأنزل الله مطراً غزيراً ملأ الأوعية، وأمد المسلمين بالماء، و قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدها: (إنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وإنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فمَن جَاءَهَا مِنكُم فلا يَمَسَّ مِن مَائِهَا شيئًا حتَّى آتِيَ،… ثُمَّ غَرَفُوا بأَيْدِيهِمْ مِنَ العَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حتَّى اجْتَمع في شيءٍ، قالَ: وَغَسَلَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فيه يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ العَيْنُ بمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، أَوْ قالَ: غَزِيرٍ، شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُما قالَ، حتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قالَ يُوشِكُ، يا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى ما هَاهُنَا قدْ مُلِئَ جِنَانًا).
موقف المنافقين خلال الرحلة
خلال الرحلة، حاول بعض المنافقين التشكيك في نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم عندما فقد ناقته، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أكد لهم بفضل الله أنه يعلم مكانها.
فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ رجُلًا يقولُ -وذكَر مقالتَهُ-، وإنِّي واللهِ لا أعلَمُ إلا ما علَّمني اللهُ، وقد دَلَّني اللهُ عليها، وهي في الوادي في شِعْبِ كذا وكذا، وقد حبَستْها شجرةٌ بزِمامِها، فانطلِقوا حتى تأتوني بها، فذهَبوا فأتَوْهُ بها)
كما مر الجيش على الحِجر (أرض ثمود)، فوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاعتبار بحال الأمم السابقة.
نتائج الغزوة بعد الوصول إلى تبوك
وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وكان الرعب قد دب في قلوب الروم، حيث لم يلتقوا بالجيش الإسلامي. كذلك، قدمت بعض القبائل المتنصرة صلحًا مع المسلمين ووافقت على دفع الجزية.
بعد تحقيق هذا النصر للمسلمين دون قتال، أصر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) على البقاء في تبوك لمدة تتراوح بين بضعة عشر يومًا وعشرين يومًا حسب الروايات، وذلك لإثبات عدم خشيته من الروم وأتباعهم.
عاد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه إلى المدينة منتصرين دون قتال، مما يشابه أحداث غزوة الأحزاب من حيث الصعوبات والنتائج.
أحداث العودة من غزوة تبوك
عند العودة إلى المدينة، حاول بعض المنافقين اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، وأذيوه بألسنتهم. كما قاموا ببناء مسجد ضرار، الذي نزلت فيه آيات تبرئ النبي صلى الله عليه وسلم وتطلب هدم المسجد، وقد استقبلت المدينة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بحفاوة.
عند وصوله، استقبل المتخلفون من المنافقين وحاولوا الاعتذار، فقبل منهم العذر الظاهري واستغفر لهم، أما الثلاثة الذين خُلّفوا، فقد نزلت توبتهم في القرآن الكريم.
وجاء ذلك في سورة التوبة، في قول الله سبحانه وتعالى: (لَقَد تابَ اللَّـهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهاجِرينَ وَالأَنصارِ الَّذينَ اتَّبَعوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ مِن بَعدِ ما كادَ يَزيغُ قُلوبُ فَريقٍ مِنهُم ثُمَّ تابَ عَلَيهِم إِنَّهُ بِهِم رَءوفٌ رَحيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ).
في الختام نؤكد أن غزوة تبوك تبرز دور النبي صلى الله عليه وسلم كقائد حكيم وموجه. كما تسلط الضوء على إخلاص الصحابة وصبرهم في مواجهة الصعوبات. وقد أظهرت هذه الغزوة قوة إيمان المسلمين وفضحت نفاق المنافقين، وبيّنت أهمية التمسك بالعقيدة والعمل على تحقيق الأهداف العليا للدين.
اقرأ أيضًا: اسرار غزوة بدر