دين

غزوة مؤتة … الاحداث والنتائج والدروس المستفادة

تُعد غزوة مؤتة واحدة من أبرز المعارك في تاريخ الإسلام، حيث جسدت قوة الإيمان والتضحية لدى المسلمين في مواجهة أعدائهم،  وقعت هذه الغزوة في العام الثامن للهجرة، وشهدت مواجهة غير متكافئة بين ثلاثة آلاف مقاتل من جيش المسلمين وعشرات الآلاف من جيش الروم وحلفائهم.

وعبر السطور التالية من هذا التقرير سوف نستعرض عدد من المعلومات حول غزوة مؤتة، وما هي أسبابها وتاريخها وموقعها وأبز أحداثها، وذلك على النحو التالي.

أحداث ما قبل غزوة مؤتة

رغم الفارق الكبير في العدد والعدة، إلا أن المسلمين أبدوا شجاعة نادرة واستبسالاً فريداً، مما جعل هذه المعركة تُخلد في ذاكرة التاريخ الإسلامي كأحد أعظم صور البسالة والصمود، لم تكن العلاقات بين المسلمين والروم هادئة في السنوات التي سبقت غزوة مؤتة، فقد دأب الروم ومن والاهم من القبائل العربية على مضايقة المسلمين بشتى الطرق، كانت تجارة المسلمين المتجهة نحو الشام عرضة للهجمات المتكررة من قبل الروم وحلفائهم، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الإسلامي الذي كان يعتمد إلى حد كبير على التجارة.

إلى جانب ذلك، كان المسلمون يتعرضون لأعمال نهب وسلب على يد هؤلاء الأعداء، مما زاد من حدة التوتر بين الجانبين.

وبلغ التوتر ذروته عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي، حاملاً رسالة إلى ملك بُصرى يدعوه فيها إلى الإسلام، لكن شرحبيل بن عمرو الغساني، حاكم بُصرى، قام بقتل الرسول، وهو ما يُعد انتهاكاً صارخاً للأعراف الدولية التي كانت تحترم الرسل والسفراء، مهما كانت الأوضاع السياسية.

كان هذا العمل العدائي بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الغزوة، وأشعرت المسلمين بأن الروم وحلفاءهم لم يعودوا يكتفون بالمضايقات الاقتصادية، بل تعدوها إلى القتل الصريح للمسلمين.

الاستعدادات لغزوة مؤتة

بعد حادثة قتل الحارث بن عمير، شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهمية الرد على هذا التصرف العدواني لتأديب الروم ووضع حد لهذه التهديدات المستمرة، دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الجهاد، وسرعان ما تجمع حوله ثلاثة آلاف مقاتل من المهاجرين والأنصار.

كان هذا الجيش يُعد من أقوى الجيوش التي أعدها المسلمون حتى ذلك الوقت، ومع ذلك، كان العدد أقل بكثير من الأعداد الهائلة التي كان الروم يجمعونها.

ولكي يضمن النبي صلى الله عليه وسلم الاستعداد الكامل للجيش، قام بعقد الراية لثلاثة قادة من خيرة الصحابة، وهم زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة. وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء القادة بأن يقاتلوا في سبيل الله، وأن لا يغدروا، ولا يقتلوا الأطفال أو النساء أو من يعتزل القتال، مشدداً على ضرورة التحلي بأخلاق الإسلام حتى في أوقات الحرب.

وجاء ذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم صحابته قائلاً : “اغزوا باسم الله وفي سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغدروا ، ولا تغلوا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ولا أصحاب الصوامع” رواه أحمد وغيره من أصحاب السنن .

سير معركة مؤتة

انطلق الجيش الإسلامي من المدينة متجهاً نحو الشام. وعندما وصلوا إلى منطقة معان، علموا بأن هرقل، إمبراطور الروم، قد جمع جيشاً ضخماً يقدر بمائتي ألف مقاتل، بينهم مائة ألف من الروم، ومثلهم من القبائل العربية المتحالفة مع الروم مثل لخم وجذام وغيرهم. واجه المسلمون في هذه اللحظة تحدياً كبيراً، إذ كان عليهم أن يواجهوا جيشاً يفوقهم عدداً بعشرات الأضعاف.

عقد قادة الجيش الإسلامي مجلساً للتشاور في كيفية مواجهة هذا التحدي الهائل، اقترح بعضهم العودة إلى المدينة وإرسال رسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون فيها إما إرسال تعزيزات أو إعطائهم أمراً بالانسحاب.

لكن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه رفض هذه الفكرة، مؤكداً أن الهدف من خروجهم هو طلب الشهادة في سبيل الله، وليس العودة دون قتال، كان رأيه مؤثراً في قلوب الجنود، فقرروا المضي قدماً نحو مواجهة العدو.

وصل الجيش الإسلامي إلى منطقة مؤتة، حيث التقى الجيشان في معركة غير متكافئة، كانت المعركة شرسة وعنيفة، حيث استبسل المسلمون في القتال رغم الفارق الكبير في العدد والعدة.

قُتل زيد بن حارثة وهو يحمل الراية، ثم تبعه جعفر بن أبي طالب الذي قاتل ببسالة حتى قطعت يداه وهو يحمل الراية، فاحتضنها بعضديه حتى سقط شهيداً، ثم تولى عبد الله بن رواحة الراية، واستمر في القتال حتى قُتل هو الآخر.

تحول المعركة

بعد استشهاد القادة الثلاثة، تولى خالد بن الوليد قيادة الجيش. كان خالد حديث العهد بالإسلام، ولكنه كان فارساً بارعاً وقائداً عسكرياً محنكاً،  أدرك خالد أن المواجهة المباشرة مع هذا العدد الهائل من الروم قد تؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المسلمين، فقرر أن يستخدم حنكته العسكرية لإنقاذ ما تبقى من الجيش.

قام خالد بتنظيم صفوف المسلمين وإعادة ترتيبهم، حيث جعل الميسرة ميمنة والميمنة ميسرة، والمقدمة مؤخرة والعكس. هذه الحيلة العسكرية جعلت الروم يعتقدون أن المسلمين قد تلقوا تعزيزات جديدة، مما أدى إلى ارتباكهم.

وطلب من فرسان المسلمين أن يثيروا الغبار ويحدثوا ضوضاء قوية، فتوهم الروم أن تعزيزات قد وصلت للمسلمين، مما أدى إلى انهيار معنوياتهم. واشتد القتال عليهم، حتى قال خالد رضي الله عنه: “لقد انكسرت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فلم يبقَ إلا صفيحة يمانية”.

وبفضل خطته، تمكن خالد من إعادة الجيش إلى المدينة بأقل الخسائر الممكنة، فيما قُتل من الروم عدد كبير غير محدد، وكان ذلك نصراً عظيماً للإسلام والمسلمين.

نتائج غزوة مؤتة

رغم أن المسلمين لم يحققوا نصراً عسكرياً حاسماً في غزوة مؤتة، إلا أن ما حدث كان نصراً معنوياً كبيراً، لقد أثبت المسلمون أن قوتهم لا تكمن في عددهم أو عتادهم، بل في إيمانهم بعقيدتهم وإصرارهم على الدفاع عنها حتى النهاية.

لقد واجهوا جيشاً ضخماً يفوقهم بأضعاف، ومع ذلك استطاعوا أن يصمدوا أمامه وأن ينظموا انسحاباً تكتيكياً يحفظ لهم ماء الوجه.

بلغ إجمالي عدد الشهداء من المسلمين ثلاثة عشر مقاتلاً فقط، بينما لم يذكر أهل السير عدداً محدداً لقتلى الروم. ومع ذلك، كانت خسائرهم كبيرة، مما يبرز حجم الأضرار التي ألحقها جيش المسلمين بالروم.

كان لهذا الصمود أثر كبير في نفوس المسلمين، حيث زادهم إيماناً وثقةً بقدرتهم على مواجهة أي تحدٍ مهما كان حجمه، وعندما عاد الجيش إلى المدينة، استقبلهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالكلمات المشجعة، وأكد لهم أنهم لم يكونوا فرارين بل كانوا كرارين، وأن ما قاموا به هو نوع من إعادة تنظيم الصفوف للعودة إلى القتال في المستقبل.

تعتبر غزوة مؤتة من أعظم المعارك في تاريخ الإسلام، حيث أظهرت شجاعة المسلمين وإصرارهم على الدفاع عن دينهم رغم التحديات الهائلة، لقد كانت هذه الغزوة بمثابة درس عظيم للمسلمين في كيفية الصمود والثبات في وجه الأعداء، وكيفية استخدام الحكمة والتكتيكات العسكرية للخروج من المواقف الصعبة.

كما أن هذه الغزوة بما حملته من تضحيات وبطولات، تظل محفورة في ذاكرة التاريخ الإسلامي كنموذج فريد للتضحية والفداء في سبيل الله. وقد أسست هذه المعركة لمبدأ أن النصر ليس بالعدد أو العتاد، بل هو في قوة العقيدة والإيمان.

اقرأ أيضًا: غزوة حنين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى