حديث الرسول عن التغافل
يعد التغافل من الصفات التي تكسب الإنسان راحة في النفس وهي كما قال عنها السلف الصالح من أفعال الكرام وهكذا كان نهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أعدائه وهو ما تبين في حديث الرسول عن التغافل وكيف كان يتعامل مع الكفار والمشركين في هذا الوقت.
وخلال هذا المقال على موقع الجواب 24 سنتعرف على ما جاء في حديث الرسول عن التغافل، وما نص عليه القرآن الكريم بشأن التغافل، ومعنى التغافل في الإسلام، والفوائد التي تعد على الشخص من التغافل.
حديث الرسول عن التغافل
التغافل هو الإعراض عن أمر ما صدر من شخص سواء هذا الشخص من صديق أو من عدو، فهو يتغافل عما صدر من هذا الإنسان بغرض الود والتسامح والحلم، ولا يعني هذا ضعف ولكنه من شيم الكرام، ويكسب صاحبه راحة في النفس وسلام داخلي.
وفي العموم يحتاج الإنسان إلى أن يتحلى بخلق التغافل في علاقته مع الناس، ولاسيما الأقرباء منه، فقد يصدر شيء ما من أقرب الناس إليك، قد يزعجك أو يخذلك أو كان على عكس ما تتوقع منه، وفي هذه الحالة ينبغي أن تتحلى بالتغافل حتى يبقى الود وتستمر العلاقات دون أن تنقطع.
وقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم مثالًا عظيمًا في التغافل، فما ورد في حديث الرسول عن التغافل، ما رواه أبي هريرة – رضي الله عنه- أن المشركين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد”، رواه البخاري.
وعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت :”دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم مهلًا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله”، متفق عليه.
وحينما سألوا أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:” لم يكن فاحشًا، ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح”، رواه الترمذي.
وقال الإمام النووي –رحمه الله- عن حديث الرسول عن التغافلن أن قول النبي صلى الله عليه وسلم مهلًا ياعائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسدة، فهكذا تغافل الرسول صلى الله عليه وسلم عن قول اليهود “السام عليك” وما ورائه من دعاء عليه بالموت، ومن ثم فإن الأحرى بالمسلم أن يتغافل عن أخطاء إخوانه.
ومن صور تغافل النبي صلى الله عليه وسلم ما ورد في تفسير إعراض النبي عن بعض ما أعلنت به حفصة أم المؤمنين مما قد أسره النبي صلى الله عليه وسلم إليها تكرمًا، وهو ما جاء في قوله تعالى :”وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض”، سورة التحريم.
وقال القرطبي –رحمه الله- في معنى “عرف بعضه وأعرض عن بعض”، أي عرف حفصة بعض ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن تخبرها، وأعرض عن بعض تكرمًا لها.
معنى التغافل في الإسلام
لقد جاء الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق، وكما قال السلف الصالح فإن التغافل من أفعال الكرام، وبالتالي سنجد أن الإسلام قد أولى اهتمامًا بهذه الصفة التي كانت صفة الرسول صلى الله عليه وسلم كما وضحنا في حديث الرسول عن التغافل.
أما معنى التغافل، فهو فعل إرادي ينتج عن إدراك ما يحدث أو يدور في البيئة المحيطة، أو مهارة يكتسبها الإنسان من أجل تعزيز العلاقات الإنسانية، فهو كما يقول البعض فإن التغافل أقرب إلى الحكمة التي يحتاج الإنسان إليها للتصرف في موقف ما.
وفي كثير من المواقف الحياتية نحتاج إلى مهارة التغافل حتى لا تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، أو لتجاوز موقف معين، لذا يجد الإنسان نفسه بحاجة إلى التغافل عن زلات وأخطاء حدثت في مواقف معينة حتى لا يصل الأمر إلى التصادم، مثل أن يدور خلاف بين الأبناء والوالدين، أو خلافات بين الزوج والزوجة، أو غيرها من العلاقات الاجتماعية.
والتغافل كما قال عنه العلامة ابن القيم –رحمه الله- أن من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقًا كانت أو باطلًا، وتكل سريرته إلى الله تعالى، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين الذين تخلفوا عنه في الغزوة، فلما جاؤوه يعتذرون إليه فقبل أعذراهم.
وجاء عن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه- بأن العقل ثلثه فطنة، وثلثاه تغافل، أي أنه لابد من التغافل في تعزيز وتقوية العلاقات، وليس فقط المهم الفطنة ولكن الأهم هو استخدام الفطنة والكياسة والتغافل معًا.
وعن التغافل أيضًا قال الحسن البصري “ما زال التغافل من فعل الكرام”، وحين سئُل الإمام أحمد عن العافية وأن يجدها الإنسان، فقال :”تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات”، وفي رواية أخرى قال :”تسعة أعشار حُسن الخُلق في التغافل”.
اقرأ أيضًا عبر قسم دين : ايات قرانية عن التسامح والعفو
التغافل في القرآن
وكما وجدنا التغافل في خُلق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ما تبين في حديث الرسول عن التغافل، سنجد بعض ما يدل على أهمية التغافل في القرآن الكريم أيضًا، فقد ورد هذا المعنى في بعض الآيات الكريمة التي ترشدنا على أهمية التغافل.
ومما ورد في القرآن الكريم عن التغافل، ما جاء في قوله تعالى “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً”، الآية 63 من سورة الفرقان.
وكذلك قوله تعالى “وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ”، الآية 55 من سورة القصص.
ومن أروع الأمثال التي جاء ذكرها في القرآن الكريم عن التغافل، ما جاء في قوله تعالى عن قصة يوسف عليه السلام “قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ”، الآية 77 من سورة يوسف.
فهكذا ضرب لنا نبي الله يوسف أروع الأمثلة في التغافل عن تطاول أخوته في حقه وظلمهم له، وما فعلوه معه منذ أن كان صغيرًا وإلقائه في البئر وحرمانه من أبيه، ولكن في النهاية تغافل عن كل ذلك وسامحهم وعفى عنهم.
فوائد التغافل
كما تبين لنا من حديث الرسول عن التغافل وما ورد في القرآن الكريم عن التغافل، فإن هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن يكتسبها الشخص من وراء التغافل، فكما يقول جبران خليل جبران فإن من يتعلم التغافل يجتاز نصف مشاكل الحياة، ومن أهم فوائد التغافل ما يلي:
- من يتحلى بالتغافل يكتسب صفة أفعال الكرام، كما يقول ابن الجوزي إن ما يزال التغافل عن الزلات من أرقي شيم الكرام.
- تجاوز الكثير من المشاكل والصعاب في الحياة.
- التمهل في إصدار أي قرار أو فعل، ومن ثم التوصل إلى قرار صحيح في حل المشكلات وعدم التعجل الذي قد يورث الندم.
- تعزيز وتقوية العلاقات الأسرية والاجتماعية وعلاقات العمل.
- التغافل يجعل الإنسان شخص ودود وإيجابي.
- اكتساب راحة نفسية وسكينة وسرور والعيش في سلام بعيدًا عن المشاكل والمشاحنات.
- اكتساب الفرد الحب والتقدير من الجميع والسيرة الحسنة التي تظل حتى بعد وفاته.
اقرأ أيضًا : الفرق بين العفو والتسامح